سيرة المغترب المظلوم سمير أحمد الوائلي 1954-1999
النجل الأكبر لعميد المنبر الحسيني الشيخ أحمد الوائلي
بقلم: وائل علي الطائي* #مؤسسة_الشيخ_الوائلي
#الموقع_الرسمي_للشيخ_الوائلي al-waely.net
اسمه ونسبه
هو الحاج سمير بن الشيخ أحمد بن الشيخ حسون بن الشيخ سعيد بن حمود الليثي الوائلي. وهو النجل الأكبر للشيخ أحمد الوائلي، والذي لاسمه كان يُكنى الشيخ الوائلي بـ ( أبي سمير ).
والده
هو الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (1928-2003م) الخطيب والأديب المعروف بعميد المنبر الحسيني.
والدته
هي المغفور لها العلوية ام سمير الشبلي (1923-1983م) كريمة الوجيه المرحوم السيد محمد الشبلي، من عائلة السادة الأشبال العلويين من أهالي مدينة كربلاء المقدسة.
ولادته
ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1954، وفيها نشأ وترعرع، وهو أكبر أبناء الشيخ الوائلي الأربعة: الشهيد محمد حسين (1954-1983م) والمرحوم الحاج علي (1963-2019م) والمحفوظ الحاج محمد حسن. وله (8) أخوات.
دراسته
أكمل دراسته الإبتدائية في مدرسة النجف الابتدائية، ثم أتم الدراسة الثانوية في ثانوية النجف للبنين، مُتخرجاً من الفرع الأدبي بتميز. من بعدها توجه صوب العاصمة بغداد ليكمل دراسته الجامعية فيها فقصد الجامعة المستنصرية (ثاني أعرق الجامعات العراقية من بعد جامعة بغداد، والمتأسسة عام 1963م) ودرس في كلية الآداب في قسم التربية وعلم النفس “والذي تم ضمه لاحقاً الى كلية التربية” لينال شهادة البكالوريوس في الإحصاء التربوي عام 1978.
نشأته
عُرف الفقيد بالطيب والصلاح والألفة والخير، ونشأ منذ صباه قريباً من أخواله آل الأشبال، وعاش مُتكسباً مُعتمداً على نفسه، وسعى للتوفيق مابين الدراسة والمعيشة حتى اشتد وصَلُب عودُه.
ظروف التضييق والملاحقة
كانت حياة الفقيد حياةً صعبةً بالنظر إلى الظروف التي شهدها العراق في مطلع ومنتصف السبعينيات من القرن المنصرم، فشهد أياماَ من التضييق والمحاربة كسائر أفراد أسرة الشيخ الوائلي – والتي مر الذكر عليها مُسبقاً في ترجمة شقيقه الشهيد مُحمد حُسين – على أن هذه الأسره مرت عليها فجائع عدة ؛
كانت أولاها بإعدام ابن شقيقة الشيخ الوائلي الأستاذ التربوي كاظم الوائلي (1949-1980م) بسبب تصديه مع ثلةٍ من الشباب الجامعي الى تعسف سلطة البعث واضطهادها للعلماء والأدباء والمفكرين.
ومن بعدها توجهت السلطة إلى التضييق على أبيه عميد المنبر الحسيني في أواخر العام 1979 بالتزامن مع انتخاب الشيخ أحمد الوائلي رئيساً لجمعية منتدى النشر الفكرية (المتأسسة عام 1935 من قبل أستاذ الشيخ الوائلي العلامة المصلح المحقق الشيخ محمد رضا المظفر 1904-1964م) الجمعية الرائدة في إصلاح الخطاب والمنبر، حيث توجه جلاوزة البعث بدعوةٍ للشيخ الوائلي إلى ضرورة استجابته لمساندة مسيرة الحزب والثورة من خلال محاولات إجبار الشيخ الوائلي وجمعيته ومنبره إلى الإدلاء بذلك على المنبر علناً وبوضوح مُكررين الطلب منه بالإذعان إلى دعم وتبني المواقف السياسية للسلطة الحاكمة! فضلاً عن اعتراضهم للمشروع الاصلاحي الذي تبنّاه عميد المنبر الحسيني لتأصيل وارتقاء خطاب المنابر والمجالس الدينية والذي عمد إليه الخطيب الوائلي بتوجيهٍ وإشرافٍ من أستاذه المفكر آيه الله العظمى السيّد الشهيد محمد باقر الصدر (1935-1980م) ..
جميع هذه الأحوال والأجواء المحمومة بالتهديد والوعيد اضطرت الشيخ الوائلي إلى مغادرة العراق مُرغماً إلى الكويت بسفرٍ طبيعي عبر معبر العبدلي – صفوان البري، ومنها إلى العاصمة السورية دمشق، ليُقيم فيها مُبتدءً رحلة اغترابٍ عن وطنه الذي تسلطت عليه عصاباتٌ مجرمةٌ جعلته مطلوباً مُلاحقاً مُضطهداً مُغترباً طيلة 24 عام ، حتى عاد إلى وطنه لأيامٍ مَعدوداتٍ ليُدفن فيه مَظلوماً غير هانيءٍ بوطنه الجريح ..
ملاحقته لاعتقاله
في خضم هذه الأجواء من التضييق والتعسف؛ أقدمت سلطة البعث في الليالي العشر الأواخر من شهر الله شهر رمضان المبارك على اعتقال أخي الفقيد سمير ؛ الأستاذ الجامعي الشهيد محمد حسين الوائلي (1954-1983م) دون مراعاةٍ لا لله ولا لأشهره ، في ظروفٍ مُتشابكةٍ على خلفية حملة اعتقالاتٍ في مدينة النجف الأشرف طالت جُملةً من شباب الأسر النجفية العلمية والفكرية والأدبية بذريعة ضلوعهم في محاولةٍ لقتل مدير أمن النجف ، فطالت هذه الحملة الفقيد سمير حيث توجهوا إلى منزل والدته ومن ثم منازل أخواله مُحاولين العثور عليه لإعتقاله ، مما اضطر الفقيد إلى التخفّي ومن ثم الهروب بَراً إلى خارج العراق مُبتعداً عن بلده لائذاً ببلدان الغُربة ناجياً من بطشٍ طال أسرتَه وذويه وأرحامه ومُتعلقيه لا لذنبٍ اقترفوه إنما هو بطشٌ يَطال سائر العراقيين ممّن لا يُدينوا بالولاءِ للسُلطة ولإجرامها ..
سفره واغترابه
في هذه الأحوال المريرة وبإعدامٍ اثنينِ من أفراد الأسرة وتشريد ربّ الأسرة وابنها الأكبر ، ظلت أسرة الفقيد سمير تعاني الأمرّين من رعبٍ وخوفٍ من القادم المجهول الذي لا يُعرف له ملامح ولا مَصير ، وتسبب ذلك في اشتدادِ المرض على الفقيدة العَلوية أم سمير ، والتي لم تبقَ طويلاً بعد فُراق ولدها لها إلا لأشهرٍ معدودةٍ، انتهى بها الضعف إلى الارتحال إلى الدار الآخرة ، مُفارقةً لحياةٍ لم تنل منها إلا التخويف والبطش والتشريد. وقد رثاها الشيخ الوائلي في قصيدةٍ أسماها ( آهةٌ في رثاء رفيقة العُمر ) أنشأها عام 1983 ونشرها في ديوانه الثاني المطبوع في بيروت من قبل دار الكتاب الإسلامي، والتي يقول فيها :
رفيقةَ عُمري.. هل لجرحيَ بلسمُ
رحيلُك أَدماه وما انقطع الدمُ
أنامُ على صمتِ الجراح وصمتُها
يعبِّر عن حرِّ الجَوى ويُترجمُ
ولمّا استراش الفرخُ واشتدّ عودُه
وجاء الرَّغيدُ الحُلو وانزاحَ عَلقمُ
رَفيقينِ من بعد الثلاثين خمسة
مشينا بها في دربنا وهيْ أنجمُ
ففرَّقنا ريبُ المنون فها أنا
وحيدٌ يَعضُّ الحُزن فيَّ ويَقضمُ
سأَبقى إلى أن نلتقي بثرى الحِمى
وقلبي لصيقٌ بالتُراب مُتيّمُ
بذلك ؛ تغرب الولد ، وأعدم ابن العمّة ، وفُقد الشقيق ، وطورد الوالد ، وما يُزيد الجرح عمقاً وألماً هو أن الأخ المغترب لا يعلم بمصير إعتقال أخيه الشهيد (محمد حسين) والذي أخفت السلطات مصيره عن أسماع الشيخ الوائلي وعن أسرته (في الوقت الذي كانوا قد أقدموا على جريمتهم النكراء بإعدامه شنقاً في ذلك العام من دون أن تعلم أسرة الشيخ الوائلي بخبر إعدام ولدها إلا من بعد زوال السلطة المجرمة في نيسان عام 2003) ..
نشاطه في الغربة
وهكذا هاجر الفقيد سمير الوائلي من وطنه باحثاً عن أرض تُؤويه بعيدةً عن جحيم السلطة وظُلمها، فاستقر به الحال في مملكة السويد، وقرّر الزواج في العام 1989بعيداً عن الأهل والمحبين، وتصاهر مع الوجيه المرحوم الحاج محمد حسين محمد زاغي الخفاجي (1932-2020م) و رزقه الله ببنتٍ في العام 1990، وبولدٍ في العام 1992 أسماه (وائل).
ولم يقف الفقيد في بلاد الغُربة مكتوفَ اليدين أزاء مظلومية بلده وشعبه ، فانخرط في نشاطاتٍ وتظاهراتٍ لفضح النظام المُجرم أمام أنظار المجتمع الدولي الذي كان مؤيداً بكل أسفٍ للظلم الذي حُكم به شعب العراق وأهله، كما وساهم في حفظ ونشر فكر أبيه عميد المنبر الحسيني في أكثر من مؤسسةٍ ودار تبليغٍ للجاليات الإسلامية في أوروبا ، فضلاً عن اضطلاعه كابيه في واجب الإغاثات الاجتماعية لمستحقيها هناك ..
مرضه ورحيله
عاش الخال الفقيد سمير الوائلي 17 عاماً من الإغتراب والمحن والحزن على فراق الأخ والبُعاد عن والده – المغترب هو الآخر في سوريا – ومفارقاً لاخوته وأخواته وداره ومرابعه، فدنى إليه المرض الخبيث ليعيش في جسده مُكابداً آلامه لائكاً ماتبقى له من ذكرياتٍ عن حياةٍ ما رأى منها إلا الضنك والأذى ، التقى بوالده الشيخ الوائلي في آذار عام 1998 في مستشفى العلاج بلندن وطلب منه أبيه الانتقال باسرته إلى لندن لإتمام العلاج فيها، على أمل التعافي التام ، وبالفعل قرر الفقيد الاستجابة لطلب أبيه ، إلا أن المرض الخبيث لم يُمهله ، وأخذ منه مأخذه ، حتى دنت إليه المنية وفارق الحياة في يوم الثلاثاء 16 من شهر رجب الأصب عام 1420 هـ الموافق 26 من تشرين الأول 1999 في مستشفى (ماس) بمدينة مالمو في مملكة السويد ، وهو في الـ 45 من العمر.
اضطهاد ما بعد الموت !
وحتى بعد موت الفقيد ؛ لم ينتهِ ظُلم السلطة الكافرة مع الفقيد سمير وأسرته عند هذا الحدّ فحسب ؛ وإنما تذكُر أسرة الشيخ الوائلي في النجف الأشرف أنها قد حاولت إرجاع جثمان ولدها الفقيد إلى العراق لدفنه بطلبٍ وجهوه إلى مسؤولي السُلطة، لكنها تلقت رفضاً شديداً من حكومة البعث من خلال جواب كان نصه “إنّ أرض عراق البعث لا تَدفن الكلاب الهاربة منها ! ” مما اضطر الوالد المفجوع إلى أن يستقبل جُثمان ولده البكر في مطار مدينة دمشق في صباح يوم الإثنين المصادف 1 تشرين الثاني 1999م الموافق للـ 22 من شهر رجب 1420ه والقيام بتشييعه تشييعاُ رسميّاً مَهيباً بمعية جُموع الجماهير العراقية والعربية ، وتم دفنه بجوار ضريح عقيلة الطالبيين السيدة زينب (ع) في المقبرة التي حقّ لها أن تحمل هوية الفقيد والمسماة بــ ( مقبرة الغرباء ) ..
الخاتمة
سلامٌ عليك ( أبا وائل ) مُذ حَييتَ حياةً لم تحيها إلا خوفاً وهرباً وسقماً، كوالدِك الخطيب، وسلامٌ عليكما يوم وُلدتما ، ويوم تُوفيتما ، ويوم تُبعثان للرحمن ، مظلومَين .. مُبعدَين .. غريبَين .. وما عند الله خيرُ وأبقى ..
حُررت ليلة الجمعة 27 رمضان 1441 الموافق 21 آيار 2020
*وائل علي الطائي / اعلامي وكاتب تحقيقات عراقي
• مقال موجز من تحقيق مصور لمقابلة أجريت مع أسرة الفقيد في مدينتي النجف الأشرف ومالمو السويدية.
• المصادر :
– وثائق كلية الآداب – الجامعة المستنصرية . للأعوام 1974 – 1978
– الديوان الثاني من شعر الشيخ الوائلي. بيروت. 1984
– وثائق السفارة العراقية – مملكة السويد للأعوام 1989 – 1999
– مؤسسة الأرشيف والذاكرة الوثائقية . الشيخ سليم الجبوري
– تحقيقات ولقاءات أسرة الشهيد
#الوائلي #الشيخ_الوائلي #سمير #ابن #نجل
#مغترب #مظلوم #مؤسسة_الشيخ_الوائلي
#الموقع_الرسمي_للشيخ_الوائلي al-waely.net
حساب الفيسبوك: facebook.com/alwaely.net